موقع مصر الإخباري
- أخبار هامةأخبار

المفتي : لست منزعجًا من الثورة التكنولوجية بل أراها تحفز العقل الفقهي إلى النهوض

اكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم انه ليس منزعجًا من الثورة التكنولوجية بل أراها تحفز العقل الفقهي إلى النهوض

وقال : إن الله تعالى أمر جميعَ بني الإنسان بالسعي في طلب العلم النافع، الذي يُثمِر في القلوبِ إيمانًا، وفي النفوسِ زكاةً، وفي الأرواحِ سكينةً، وفي الأرضِ عمرانًا، وفي الكونِ حياةً طيبة.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد مضيفًا فضيلته أن المسلمين الأوائل انفتحوا على الحضارات الأخرى وعالجوا قضايا جديدة لم يكونوا قد تعرضوا لها من قبل نتيجة أنماط العيش المختلفة في البلاد التي فتحوها والتطور الذي لم يكن معهودًا فأفادوا منها وأفادوها، وكذلك علماء الأزهر على مر العصور لم يخاصموا عصرهم ولم ينعزلوا عنه، بل واكبوا كافة التطورات التي حدثت في عصرهم.
وأثنى مفتي الجمهورية على العديد من العلماء الذين انفتحوا على العلم الحديث واستفادوا منه بما يتوافق مع الشرع وخصَّ فضيلته بالذكر بعض المفكرين كالأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق -وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف- وكذلك بعض المفتين كالشيخ محمد نجيب المطيعي، وكذلك الإمام محمد عبده معتبرًا إياهم سبَّاقين لعصرهم، فقد قدَّموا العديد من المقترحات لبعض القضايا الشائكة التي ظهر قدرها بعد وفاتهم بسنوات.
الصوفي المضبط
وفي ردِّه على سؤال عن اتهام الصوفية بالانعزال عن الناس والسلبية قال فضيلته: إنَّ الصوفي المنضبط الرشيد هو المسلم النموذجي المتشابك مع حركة الحياة ومع هموم الناس وأحوالهم، وهذا نراه كثيرًا في قامات صوفية معروفة، والدين لا يتحمَّل أي تجاوزات أو تصرفات فردية من بعض الناس باسم الصوفية، فالتصوف الرشيد القائم على تهذيب النفس يتعلَّق بمقام الإحسان في حديث سيدنا جِبْرِيل الذي تلقَّته الأمة كلها بالقبول.
وعن حكم إجبار المرأة على ارتداء الحجاب قال فضيلة المفتي: إن الحجاب حق من حقوق الله يجب على كل امرأة مسلمة القيام به، فإن لم تفعل وجب على زوجها أو أبيها أن يأمرها به، ويتلطَّف معها بالنصح ويذكِّرها بفرضيته ويحثها عليه، ويداوم على ذلك، ولا يجوز إيذاؤها نفسيًّا ولا بدنيًّا لإجبارها على الحجاب؛ إذ لم يأمر الله أحدًا أن يجبر الناس على طاعته، بل يكون ذلك على جهة التذكير والحث.
وعن دَور المسجد في رسالة العلم، وعن حصر البعض له بوصفه محور كل العلوم ومرتكزها كما كان قديمًا، قال فضيلته: إنَّ الاستشهاد بفكرةِ المسجديَّةِ هنا يمكن إثراؤها والتوسُّع في مفرداتها، وهذه النظرة هي التي أثْرَتِ الحضارةَ الإسلاميَّةَ بأبعادها المتعدِّدَةِ؛ حيث أخذ العلماءُ من الألفاظِ الفرديَّةِ منطلقًا إلى المعاني الكليَّة التي أدَّت إلى التَّقدُّمِ العلميِّ في مجالاتِ العلم التجريبيِّ؛ كالطِّب والرياضياتِ والفَلَكِ، فضلًا عن المعرفة الدقيقة للعلوم الشَّرْعيَّةِ، ومن يتَتَبَّعَ مسيرةَ العمل المؤسَّسِيِّ في الإسلام يلحظُ أن المسلمين لم يقفوا عند البداياتِ وإنما انطلقوا إلى التَّطويرِ بكلِّ أبعادِه، حيث وجدوا لذلك سبيلًا، فهناك ما يُعرف بالحسبة في الإسلام وهو نظام للمراقبة والمتابعة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بها بنفسه، وقد تابع الصحابة الكرام النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المنهاج فها هو سيدنا عمر بن الخطاب يعيِّن الشفاء -وهي امرأة- مُراقبةً لحركة السوق وعرض السلع وضمانات جودتها، وقد تطوَّر الآن ليصبح موزعًا على عدَّة أجهزة رقابية في الدولة الحديثة.
الثوره التكنولوجيه
وعن انزعاج البعض وتخوفهم من الثورة التكنولوجية قال فضيلته: أنا لست منزعجًا من الثورة التكنولوجية، بل أراها محفزة للعقل الفقهي إلى أن ينهض، فالعقل الفقهي ليس جامدًا، وقد اتَّخذنا إجراءات عديدة للتعاطي الأمثل مع التطور الرقمي فعقدنا منذ عامين مؤتمرًا عالميًّا تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في هذا الشأن، وأنشأنا العديدَ من الوحدات والمراكز داخل الدار من أجل الاستعداد للمستقبل، منها -على سبيل المثال- مرصد المستقبل الإفتائي، فضلًا عن استيعاب التكنولوجيا في دار الإفتاء كميكنة العمل داخلها ليكون بشكل رقمي وآليٍّ دون استخدام الأوراق أو الإجراءات اليدوية.
وردًّا على سؤال عن حكم ما يسمَّى بكرامات الأولياء، قال فضيلته: الكرامات ثابتة على بعض العباد الصالحين، وهي نور يقذفها في قلوبهم، ولكن لا تنحصر في سَمْتٍ معين ولا هيئة معينة، بل يمنحها الله لكلِّ إنسان يجتهد ويخلص في عمله ويراقب ربه ويتقيه.
واختتم فضيلته حواره ببيان حكم الإنشاد الديني مع الموسيقى قائلًا: ما دام الإنشاد محتواه وكلامه حسن ويرقِّق القلوب فلا مانع منه حتى لو كان مصحوبًا بالموسيقى، ما دام في الموضع والمكان المناسبين، والموسيقى تأخذ أحكامه وضوابطه الشرعية أيضًا، فينبغي ألَّا تحرك الغرائز وألا تضيِّع أوقات الواجبات، بل يجب أن ترقي أحاسيس الإنسان وتعمل على سموِّ روحه.
العلم وفهم الدين
وقال : إنَّ العلم يحتلُّ مكانةً عظيمةً وقيمةً كبيرة في منظومةِ القيمِ الإسلامية، فالطريق إلى فهم الدين لا يكون إلَّا بالعلم؛ فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والعلمُ أساسٌ للدين والدنيا، ولذلك اهتمَّ المسلمون عبر تاريخهم بالعلم والعلماء والكِتَاب والمؤسسات التعليمية، وكان لهم السَّبْقُ في ميادينَ علميةٍ كثيرةٍ أنتجتها الحضارةُ الإسلاميةُ، أفادت بها البشريةَ جمعاء، دون تفرقةٍ بين المسلم وغيره.
واضاف أن الله عز وجل قد أثنى على العلماء فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، فلا يخشى اللهَ حق خشيتِه إلا العلماءُ؛ ذلك أن الإنسان العالِم كلما ازداد علمًا بالكون وما فيه، ورأى مظاهرَ عظمةِ الله عز وجل وإحاطتِه بخلقه وقدرتِه عليهم وعظيمِ سلطانه، في مقابل عجز البشر وضعفهم وقلَّة حيلتهم، زادت خشيتُه من الله وتعظيمُه له، وانعكس هذا الشعور العميقُ إحسانًا إلى الخلق ورحمةً بهم، ورغبةً في المزيد من التعلّمِ لإيصال المنافع لهم.
وأكد فضيلة المفتي على أن هناك توأمة بين العلم والدين، فالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة تحدثنا وتحثنا على إعمال العقل والتدبر والتفكر والبحث، فطلب العلم بكافة تخصصاته من ضمن التكليفات الشرعية بل يُعد من فروض الكفاية في الشرع الشريف، ومن هذا الاتجاه انطلقت المنهجية العلمية في الأزهر الشريف وهي منهجية متوازنة بين العقل والنقل إيمانًا منها بتغير الفتوى بتغير المكان والزمان والأشخاص والأحوال.
المنهجيه العلميه للشرع الشرف
ولفت فضيلة المفتي النظرَ إلى أنَّ المنهجية العلمية للشرع الشريف والمأخوذة من القرآن والسنَّة قد عمل العلماء على ترسيخها عبر العصور، وهي التي تلقَّفها الأزهر الشريف، وسارت كذلك على دربها دار الإفتاء المصرية، ومن بين سماتها أنَّ العلوم المختلفة متساوية في خدمة البشرية وتعمير الأرض، وهو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، المنهج الذي لا يعرف التعارض بين العقل والنقل، ونحن مع العقل والنقل ولا تعارض بينهما، وإن حدث تعارض فقد أُزيل بفضل عقلية علماء الأزهر الشريف وبقواعد أصول الفقه.
وأشار فضيلة المفتي إلى أن المنهجية العلمية الأزهرية مستوعبة ومدركة للاستفادة من العلوم المختلفة فلم تكن قاصرة على لونٍ واحد من المعارف، فلم يهتمَّ بالشريعة ويهمل علوم الكون، فكانت العملية التعليمية الأزهرية مثالًا للتوازن والتكامل والاتساع الفكري البديع، فإلى جانب العربية توجد أقسام اللغات الحية في الكليات المعنية باللغات والألسن، وإلى جانب كليات الشريعة توجد الكليات التجريبية والعملية في مختلف المجالات، فالمنهجية الأزهرية على وجه الخصوص تتكامل تكاملًا فريدًا لا نظير له في أي مكانٍ آخر.
وأكَّد فضيلة المفتي على أنَّه عندما نعمِّق النظر في مكونات الفتوى نجدها تتكون من جملة من العناصر المتكاملة والتساؤلات التي جاءت الفتوى لتجيب عنها، وهذا لا يأتي بشكل رشيد إلا إذا كان هناك وعي وإلمام واطلاع وتشابك مع العلوم الأخرى المختلفة.

المزيد من الأخبار

اترك تعليقا

* باستخدام هذا النموذج ، فإنك توافق على تخزين ومعالجة بياناتك بواسطة هذا الموقع.

موقع مصر
بوابة موقع مصر - أخبار مصر

يستخدم موقع مصر ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد