اعربت المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن عميق قلقها إزاء تبني السلطات اللبنانية خطة تهدف إلى الإبعاد القسري للاجئين السوريين إلى بلدهم، والإعلان عن دخول هذه الخطة حيز النفاذ مؤخراً، وهو ما يشكل خطراً على سلامة وحرية المعادين قسرياً، ويعد خرقاً للالتزامات الدولية لحقوق الإنسان بصفة عامة واتفاقية اللاجئين 1951 بصفة خاصة.
تأتي هذه الخطة ضمن الاستجابات للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يشهدها لبنان، وهي أزمة تتداخل فيها الأزمات السياسية المحلية والإقليمية والدولية مع التحديات الاقتصادية، وهي أزمة لا يمكن تحميلها فقط لأزمة اللجوء السوري الواسع في لبنان المجاور.
ويتحمل المجتمع الدولي المسئولية الأساسية عن الإخفاق في الالتزام بتقديم الدعم الاقتصادي اللازم إلى لبنان للتصدي للأعباء الناجمة عن أزمات اللجوء المتعددة، ويتوجه اللوم بصفة خاصة إلى الدول العربية الغنية التي تساهم بشق كبير في توفير الدعم للعمل الإنساني الدولي، ومن الأولى لها أن توفر قسط مناسب من هذا الدعم للبلدان العربية التي تتحمل أزمات اللجوء العربي البيني.
ويصل تقدير عدد اللاجئين السوريين في لبنان إلى نحو مليون ونصف المليون لاجيء، ويعد لبنان القبلة الأكثر سهولة لفرار غالبية السكان في مناطق غربي سوريا المجاورة، كما يصل تعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى نحو 400 ألف، وهو ما يؤكد دون شك حاجة لبنان للدعم والمساندة العربية والدولية، وهو الدعم الذي لم يرتق لتلبية الاحتياجات الكافية لتحمل هذه الأعباء.
يُذكر أن المنظمة العربية لحقوق الإنسان قد تقدمت إلى جامعة الدول العربية في خريف العام 2013 بمقترح لتأسيس آلية إغاثة إنسانية عربية بهدف استيعاب تحديات أزمات اللجوء الصاعدة ومعالجة مخاطر الهجرة غير النظامية، واستناداً على وجود عدة دول عربية بين الدول الخمسة عشر الأكثر توفيراً لدعم العمل الإنساني على المستوى الدولي، وهو الاقتراح الذي تبنته القمة العربية 2014 في الكويت وأصدرت قراراً بإنشاء الآلية التي لم تر النور عملياً بعد.
يُذكر أن المئات من اللاجئين السوريين في لبنان قد عادوا إلى سوريا في العام 2018، وأشارت مصادر إلى اختفاء نحو 100 منهم، بينما أمكن توثيق 20 حالة اختفاء من بين الحالات المدعى باختفائها.
وقبل أسبوع، انتشلت سفينة مصرية 60 مهاجراً غير نظامياً انطلقوا في قارب متهالك من لبنان باتجاه فرنسا عبر البحر المتوسط، بينهم سوريين ولبنانيين وفلسطينيين، ما يعكس حجم القلق العارم من اللاجئين السوريين تجاه الخطة اللبنانية، بالإضافة إلى تبعات الأزمة الاقتصادية والسياسية اللبنانية.
وسوف يشكل تنفيذ الخطة اللبنانية الحالية بالتوازي مع مسار الضغوط التركية المتصاعدة على اللاجئين السوريين للعودة – في سياق عمليات التغيير الديمغرافي و”التتريك” التي تباشرها تركيا في المناطق التي احتلتها شمالي سوريا -، سوف تشكلان تشجيعاً للنزعات العنصرية اليمينية في أوروبا بإعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا.
وقد تجلت مظاهر السعي لإبعاد اللاجئين بصفة عامة واللاجئين السوريين بصفة خاصة في عدد من دول أوروبا، فوفق محاولات غير شرعية قامت السلطات الدنماركية بتصنيف بعض المناطق في سوريا باعتبارها “مناطق آمنة” لإبعاد اللاجئين السوريين، كما تبنت الحكومة البريطانية خطة لإبعاد طالبي اللجوء إلى أفريقيا، بل والإصرار عليها وصولاً للسعي لإلغاء قانون “حقوق الإنسان” الصادر في العام 1988 بهدف إهدار صلاحيات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي حظرت تنفيذ الخطة.
وهناك حاجة ملحة لتدخل دولي وعربي قوي وعاجل توفير الدعم للبنان في أزمته الاقتصادية، وفي الحد الأدنى توفير الدعم اللازم لأعباء اللجوء.
وتدعو المنظمة مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين لإطلاق نداء عاجل لتوفير الدعم الاقتصادي الضروري للاجئين السوريين في لبنان، كما تدعو المنظمة جامعة الدول العربية للإسراع بتوفير مقومات عمل آلية الإغاثة الإنسانية العربية.