بعد شهرين ونصف من العدوان الانتقامي العنصري الذي تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة المحتل، يشن الاحتلال الإسرائيلي موجة اعتقال غير مسبوقة شملت مئات الرجال والنساء من القطاع، والذين تناولت وسائل الإعلام الدولية صور للعشرات منهم وقد أُجبروا على خلع ملابسهم، ومحاولة الترويج لكونهم من عناصر المقاومة الفلسطينية، وتم نقلهم خارج قطاع غزة بالمخالفة لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، حيث يتعرضون للتنكيل بصور متنوعة من التعذيب خلال الاعتقال والنقل والاحتجاز، وجدير ذكره ان قوات الاحتلال أخلت سبيل عدد منهم والذين افادوا بتعرضهم لاشكال بشعة من التعذيب والإهانة والحط بالكرامة.
وفضلاً عن اعتقال أكثر من أربعة آلاف فلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلتين منذ 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي، شرعت سلطات الاحتلال في شن موجة اعتقالات موازية في قطاع غزة المنهار، ضمن سلسلة من الإجراءات التي تكرس الاستهتار بأرواح المدنيين والسلوك العدواني العنصري لسلطات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين.
وتشير المصادر الميدانية إلى اعتقال نحو ألف مدني فلسطيني من سكان قطاع غزة، بينهم المئات الذين جرى اعتقالهم خلال نزوحهم القسري نحو مناطق جنوب القطاع، ومئات آخرين جرى اعتقالهم من منازلهم بعد إجبارهم بمكبرات الصوت على الخروج والتجمع في مناطق معينة من شمال قطاع غزة في بيت لاهيا ومخيم جباليا للاجئين.
ووفقاً للمصادر الفلسطينية والإسرائيلية على السواء، يوجد على الأقل 260 معتقل من رجال ونساء قطاع غزة محتجزين في أسوأ الظروف في سجون الاحتلال وراء الخط الأخضر، مراكز احتجاز الجلمة، بيتح تكفا، عسقلان، عوفر، إلى جانب معسكرات مثل معسكر عناتوت، وسجون في صحراء النقب، حيث تقرر تصنيفهم كـ”مقاتلين غير شرعيين” بما ينزع عنهم الضمانات القانونية بموجب قوانين الاحتلال التي تتناقض على نحو فاضح مع معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان وقواعد اتفاقية جنيف الرابعة 1949.
وتشير المصادر الفلسطينية إلى اعتقال 142 سيدة وفتاة وطفلة فلسطينية يتم احتجازهن في سجون و الدامون وهشارون، بعدما جرى اعتقالهنّ خلال الاجتياح البري لغزة.
ويحيط الغموض بأعداد المعتقلون الفلسطينيون الذين اعتقلوا في قطاع غزة في أعقاب 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، إذ يواصل الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ عمليات الإخفاء القسري بحق المعتقلين. بلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، حتى لحظة اعداد هذا البيان، أكثر من 20 ألف قتيل من المدنيين الفلسطينيين وإصابة 50 ألفاً آخرين في وقت لازال هناك أعداد كبيرة جدا تحت الأنقاض، وهو ما يعتبر مؤشراً كافياً على اكتمال أركان جريمة الإبادة الجماعية التي يعمد الاحتلال إلى ارتكابها بالتزامن مع قطع سبل الحياة من غذاء ومياه ودواء وطاقة.
قال “عصام يونس” نائب رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن الغطاء السياسي الأمريكي الممنوح للعدوان الإسرائيلي على سكان غزة هو شراكة تامة في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين، داعياً حكومات الاتحاد الأوروبي إلى الوفاء بواجباتها القانونية والاخلاقية والكف عن الكيل بمكيالين والضرب بعرض الحائط بقواعد العدالة والإنسانية وتماشياً مع مسئوليته التاريخية عن حماية وتعزيز القانون الإنساني الدولي، مؤكداً على مسئولية الدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف عن توفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال.
وأضاف “يونس” أن هناك قلقاً عميقاً حول مصير المعتقلين الفلسطينيين المختطفين من قطاع غزة، لا سيما في ضوء المعلومات المتوافرة حول أعمال القمع والتعذيب، والوضع الاستثنائي الذي يحجبهم عن أية ضمانات قانونية لفترات تجاوز 80 يوماً، فضلاً عن المخاطر العارمة على حياة المئات منهم والذين لم يتم التوصل إلى مصيرهم.
وتطالب المنظمة العربية لحقوق الإنسان الفريق العامل للأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي بالتحقيق في حالات الحرمان من الحرية المفروضة بطريقة تعسفية على مئات المعتقلين/ات الفلسطينيين/ات في سجون الاحتلال، وإدانة سلوك الاحتلال الإسرائيلي الذي يشكل خرقاً جسيماً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتقديم استنتاجاته إلى المحكمة الجنائية الدولية.
كما تطالب المنظمة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالتحرك الجدي نحو إنجاز التحقيقات، والشروع فوراً في إصدار مذكرات اعتقال المتهمين في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، أخذاً في الاعتبار تلك الجرائم المروعة التي أقرت سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بارتكابها.
* * *