شارك أكثر من مليون شخص في مسيرات بالمدن الفرنسية، يوم الخميس؛ للتنديد بخطط الرئيس إيمانويل ماكرون لرفع سن التقاعد، وأدت موجة من الإضرابات على مستوى البلاد إلى توقف القطارات وإغلاق المصافي والحد من توليد الطاقة.
وبعد نجاح اليوم الأول، دعت النقابات العمالية الكبرى في البلاد إلى يوم ثان من الإضرابات في 31 يناير كانون الثاني في محاولة لإجبار ماكرون وحكومته على التراجع عن خطة إصلاح نظام التقاعد التي من شأنها أن تجعل معظم الناس يعملون عامين إضافيين حتى سن 64.
وقالت النقابات، في بيان مشترك “الآن تجد الحكومة نفسها في وضع صعب. الكل يعلم أن رفع سن التقاعد لا يفيد إلا أصحاب الأعمال والأثرياء”.
وتمثل الاحتجاجات اختبارا كبيرا لماكرون، الذي قال يوم الخميس إن إصلاحه لنظام التقاعد “عادل ومسؤول”، وضروري للمساعدة في إبقاء مالية الحكومة على مسار سليم. وتظهر استطلاعات الرأي معارضة .
معظم الفرنسيين لهذا الإجراء
وقالت وزارة الداخلية، إن حوالي 1.1 مليون متظاهر خرجوا إلى الشوارع في عشرات الاحتجاجات في أنحاء فرنسا، وهو عدد أكبر من الموجة الأولى من المظاهرات التي خرجت عندما حاول ماكرون تمرير
الإصلاح لأول مرة في عام 2019. وأوقف تلك المحاولة بسبب جائحة فيروس كورونا.
وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع، خلال مناوشات متقطعة مع شبان مقنعين على أطراف احتجاج باريس، واعتقلت العشرات.
وكتب على لافتة كبيرة حملها العمال في تور بغرب فرنسا “الرواتب والمعاشات هي التي يجب أن تزيد، وليس سن التقاعد”.
ووصفت إيزابيل (53 سنة)، وهي موظفة خدمات اجتماعية، وظيفتها بأنها صعبة جدا ولا ينبغي إضافة عامين آخرين لها، وقالت “سأضطر لتجهيز إطار يساعدني على المشي إذا تم إقرار الإصلاح”.
وتقول الحكومة إن إصلاح نظام التقاعد ضروري لضمان عدم إفلاسه.
وجاء في تقديرات لوزارة العمل أن رفع سن التقاعد عامين وتمديد فترة استحقاق الدفع قد يدر 17.7 مليار يورو (19.1 مليار دولار) مساهمات تقاعدية سنوية، مما يسمح للنظام بتحقيق التوازن بحلول عام 2027.
وتجادل النقابات بأن هناك وسائل أخرى لتمويل نظام المعاشات التقاعدية مثل فرض ضرائب على فاحشي الثراء أو زيادة مساهمات أرباب الأعمال أو مساهمات أصحاب المعاشات الميسورين.
وقال لوران بيرجيه رئيس الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل (سي.إف.دي.تي)، أكبر نقابة في فرنسا، “يمكن حل هذه المشكلة بطريقة مختلفة، من خلال الضرائب. يجب ألا يضطر العمال لدفع عجز القطاع العام”.
غضب
التحدي الذي يواجه النقابات العمالية هو تحويل المعارضة والغضب من أزمة غلاء المعيشة إلى احتجاج جماهيري من شأنه أن يجبر الحكومة في نهاية المطاف على تغيير خططها.
وقال زعماء النقابات إن ما جرى اليوم الخميس كان البداية فقط.
وما زال يتعين إقرار الإصلاح في البرلمان الذي فقد فيه ماكرون أغلبيته المطلقة لكنه يأمل في إقراره بدعم من المحافظين.
وكتبت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن على تويتر: “دعونا نواصل النقاش والإقناع”.
وكان سائقو القطارات والمعلمون وعمال المصافي من بين المضربين عن العمل، إضافة إلى نصف العاملين في شركة كهرباء فرنسا (إي.دي.إف) لإنتاج الطاقة النووية والتي تديرها الدولة.
اضطرابات في النقل العام
قالت شركة تشغيل السكك الحديدية (إس.إن.سي.إف) إن خدمات قطارات الركاب عالية السرعة بين المدن وفي باريس شهدت اضطرابا شديدا.
وفي محطة جار دو نور المزدحمة، سارع الناس للحاق بالقطارات القليلة التي ما زالت تعمل بينما ساعد موظفون بسترات صفراء الركاب المنهكين.
وقالت بيفرلي جاينيه، وهي عاملة بأحد المطاعم لم تتمكن من الذهاب للعمل بسبب إلغاء رحلة القطار، إنها توافق على الإضراب حتى لو لم تشارك فيه، لكن لم يكن الجميع متفهمين للأمر.
وقالت فيرجيني بينتو، التي تعمل في مجال العقارات، وهي تسعى جاهدة للعثور على قطار أنفاق يأخذها إلى العمل “هم دائما نفس المضربين… وعلينا أن نتحمل الأمر”.
وعبر بعض أعضاء النقابات عن أملهم في تكرار ما حدث في عام 1995، عندما طلبت حكومة جاك شيراك من القوارب السياحية في نهر السين نقل الموظفين إلى العمل وتراجعت عن إصلاح لنظام المعاشات بعد
إضرابات في قطاع النقل استمرت أسابيع، لكن قدرة النقابات على شل أجزاء من ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو وإجبار الحكومة على التراجع لم تعد كما كانت عليه من قبل.
فقد قوض حظر يعود لعام 2007 على الإضرابات بدون سابق إنذار، لضمان الحد الأدنى من الخدمات العامة، من قدرة النقابات على مقاومة الطموحات الإصلاحية للحكومات.
وقد يؤدي عمل موظفين من منازلهم وتغييرات أخرى في ممارسات العمل أيضا إلى تقليص تأثيرها.
ومع ذلك، أدى الإضراب لتوقف حركة العبارات بين دوفر وكاليه، وهو طريق بحري رئيسي للتجارة بين بريطانيا والقارة.
وأظهرت بيانات شركة كهرباء فرنسا وشركة نقل الكهرباء الفرنسية أن إنتاج الكهرباء انخفض نحو عشرة بالمئة من إجمالي إمدادات الطاقة، مما دفع فرنسا إلى زيادة وارداتها.
وقال مسؤولون نقابيون وآخرون من شركة توتال إنرجيز إن الشحنات محتجزة في مصافي الشركة في فرنسا، لكن الشركة أكدت أن يوما من الإضراب لن يؤدي إلى تعطيل عمليات المصفاة.