منذ نشأة الحياة وعلى مختلف العصور والأزمنة عرف المجتمع الجريمة، فمنذ أن خلق الله البشرية والجريمة منتشرة بين الأفراد، وتعد جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل هي المرجعية لسجل الجريمة رغم وقوعها في وقت لم تكن فيه حياة اجتماعية بمعناها المعروف، إلا أن الجريمة استمرت وتطورت مع تطور الحياة الاجتماعية إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن.
ورغم تحريم كل الاديان لقتل النفس ، وقد نهي الاسلام وذكر في القرآن الكريم ونهيه عن قتل النفس كما في قوله تعالى ” وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا” وغيرها من الآيات التي تحث على حرمة قتل النفس إلا بالحق.. أي بالقصاص إلا أن هناك عوامل عديدة ساهمت في انتشار الجريمة المجتمعية منها قلة الوازع الديني المتمثل في ضعف المؤسسات الدينية وتردي الوضع الاقتصادي وعدم وجود استراتيجية إعلامية لمواجهة الظواهر الاجرامية والمحتوى الإعلامي الرديء عبر بث أفلام ومسلسلات هابطة هدفها الربح المادي دون معالجة للظواهر السلبية بالمجتمع بل وتغذي هذه الظواهر وتنميها.
ورغم ذلك نجد أن هناك خطراً أكبر وهو اللامبالاة التي أصبحت لدى كافة أفراد المجتمع الذين شاهدوا ارتكاب الجريمة ولم يحاولوا منعها .. نعم هي ظاهرة مجتمعية أخطر على المجتمع من الجريمة نفسها ففي السابق كانت الحياة الاجتماعية تتسم بالتلاحم والمودة بين الناس وكان لوجهاء العائلات وكبارها الكلمة العليا في منع مثل هذه الجرائم وكان العامة ممن يشهدون مثل هذه الجرائم يتدخلون مباشرة محاولين منع المجرم من إكمال جريمته وبالتالي ففي معظم الحالات كان قصد الجاني من القتل يخيب فلا تكتمل الجريمة بتدخل العامة ومنعه من اكمالها ويؤدي ذلك إلى إمكانية إسعاف المجني عليه وضمان بقاؤه على قيد الحياة حتى لو به أصابه أو جروح.
أما الآن.. فأصبحنا أمام كارثة بمعنى المقاييس الكل أصبح يشاهد الجاني وهو يرتكب جريمته بل ويتركوه حتى يتمكن من الضحية ويغدر به، ليس هذا فحسب.. بل نجد من يتباهى بتصوير الجريمة بالفيديو دون إبداء أي نوع من الاعتراض على الفعل وهذا ما يسمى بالجريمة السلبية.
وذلك أن السلوك الاجرامي للركن المادي للجريمة اما أن يكون ايجابياً أو سلبياً وتبعاً لذلك انقسمت الجرائم من حيث مظهر السلوك إلى جرائم إيجابية وجرائم سلبية، والجريمة الإيجابية هي تلك التي يكون السلوك المكون لركنها المادي إيجابياً بارتكاب الفعل كالسرقة أو القتل أو الضرب…. الخ.
أما الجرائم السلبية فهي تلك الجرائم التي يكون السلوك المكون للركن المادي فيها سلبياً أي امتناعاً عن عمل يأمر القانون القيام به ويعاقب من امتنع عن ذلك كامتناع الشاهد عن أداء الشهادة، أو امتناع الطبيب عن معالجة المريض وترتب على ذلك وفاته متأثراً بجراحه.
والملاحظ ومن وجهة نظري أن المواقف السلبية التي يظهر عليها عامة الناس المتواجدين على مسرح الجريمة تساهم إلى حد كبير في إتمام الجريمة وانتشار هذه المواقف في مختلف الأماكن سواء بالمدن أو بالقرى، وأرى أنها ظاهرة تمثل خلل بالمجتمع يجب معالجته والوقوف على أسبابه والاهتمام بالوقاية قبل العلاج بإعلاء القيم وغرس ذلك في نفوس الأبناء والأجيال الجديدة ومعالجة الأسباب والدوافع وراء ارتكاب هذه الجرائم التي انتشرت في الآونة الأخيرة بصورة فجة وضرورة وضع الحلول المناسبة لمنعها لخطورة هذه الجرائم وآثارها السلبية على الحياة الاجتماعية داخل المجتمع وأنها ترسل رسائل سلبية لخارج الدولة توحي بعدم الاستقرار الاجتماعي وانتشار الجريمة وهو ما يضطر المستثمرين في العدول عن الاستثمار والسياح في تغيير وجهتهم السياحية وبالتالي فالأثر السلبي للجريمة سيكون كارثي بكل المقاييس على المجتمع داخلياً وخارجياً فضلاً عن تهديد البنيان الاجتماعي للدولة.
المستشار شعبان رأفت عبد اللطيف المستشار القانوني لغرفة الصناعه والتجارة بالشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة