اتهامات صريحة وجهها البنك الدولي، لنظام المالية العامة في لبنان، مؤكداً أن النظام لدى البلد الذي يمر بأزمة مالية طاحنة ليس إلا مخطط “بونزي”.
ويعتمد مخطط الاحتيال المعروف باسم “بونزي” على جذب المستثمرين عبر تقديم الوعود بتحقيق عائد كبير دون مخاطرة، لكنه في واقع الأمر يعتمد على استخدام أموال المستثمرين الجدد لدفع مستحقات المستثمرين السابقين من أجل كسب ثقتهم.
ويشهد لبنان العام الثالث من الانهيار المالي الذي تسبب في سقوط كل 8 أشخاص من بين 10 أشخاص في براثن الفقر، التقرير لم يكتف بذلك بل شدد أن هذا الانهيار ربما كان متعمداً وأن تلك الفترة هي واحدة من أسوأ ثلاثة أعوام في التاريخ الحديث.
أزمة اقتصادية متعمدة
اتهامات البنك الدولي ليست الأولى هذا العام إذا سبق أن وبخ السياسيين الحاكمين في لبنان في يناير بسبب اتهامات بتدبير انهيار اقتصادي كارثي للبلاد عبر إحكام قبضتهم على الموارد.
وتأتي تلك الاتهامات بعد دراسة المالية العامة للبنان من عام 1993 وحتى 2019، إذ يرى البنك أن الأزمة الاقتصادية على مدار الثلاثين عاماً الماضية كانت من تصميم النخب ومقصودة من جانبهم.
كما يرى أن تلك النخب استولت على السلطة من أجل تحقيق مكاسب مالية خاصة بهم وسمحت لهم في الوقت نفسه بتراكم السلطة السياسية عبر استبدال الدولة لتوفير الخدمات للشعب.
وقد أدى هذا الانهيار إلى خسارة بأكثر من 90% لقيمة العملة المحلية للبنان.
وقال التقرير نصاً: الشعارات السياسية بشأن قدسية الودائع هي مجرد شعارات جوفاء وانتهازية، في الواقع فإن إساءة استخدام السياسيين لهذا المصطلح أمر قاس.
لا يقتصر الأمر فقط على التناقض الصارخ مع الواقع بل إن الوضع الذي شهده لبنان يمنع الحلول لحماية معظم المودعين الصغار والمتوسطين إن لم يكن جميعهم.
تحركات متأخرة
وبحسب البنك الدولي، فإن السياسيين اللبنانيين غالباً ما يقولون إنه يجب الحفاظ على حقوق المودعين في أي خطة لمعالجة خسائر حوالي 70 مليار دولار في النظام المالي، حتى لو فقدت مدخراتهم نحو 80% من قيمتها بفعل الانهيار.
وأضاف: كان ينبغي قبول الخسائر وتحملها من قبل مساهمي البنوك وكبار الدائنين، الذين استفادوا بشكل كبير خلال الثلاثين عاماً الماضية من نموذج اقتصادي غير متكافئ للغاية.
وأكد أن كل من الفقراء والطبقة الوسطى لم يحصلوا على خدمة جيدة في ظل هذا النموذج وأنهم من يتحملون العبء الرئيسي لهذا الإفلاس.
وشدد على أن تلك الأمور كانت لابد حدوثها في بداية الأزمة للحد من الآلام الاقتصادية والاجتماعية.
كما أوضح أن قسماً كبيراً من مدخرات الناس أسيء استخدامه وكذلك إنفاقه على مدار الأعوام الثلاثين الماضية.
وواصل: أقرضت البنوك اللبنانية الدولة بكثافة إذ تراكم عليها ديوناً ضخمة نتيجة الفساد وسوء الإدارة.
ما تداعيات هذا الإخفاق على الخدمات؟
وتسببت تلك الأزمات المتلاحقة في وصول التضخم إلى مستويات بالغة الارتفاع إلى جانب اكتناز البضائع الأساسية وانقطاع شامل في إمدادات الطاقة ونقص إمدادات المياه في جميع أنحاء البلاد وكذلك انهيار التعليم والصحة والخدمات الأساسية.
وبحسب التقرير، يعد عدم كفاية الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه من العوامل الرئيسية التي تسهم في كل من المشاكل الاقتصادية في لبنان وسجل الحكومة.
وأشار التقرير إلى أن تقديم خدمات متداعية هي مسألة مقصودة تهدف تعزيز الامتياز ما بين القطاعين العام والخاص لدعم المستفيدين الرئيسيين من اقتصاد ما بعد الحرب الأهلية في لبنان.
هذا ويتوقع البنك الدولي وصول نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 272% بحلول نهاية العام الجاري وفقاً لسيناريو يفترض عدم اتخاذ إجراءات بشأن السياسة.
وبحسب هذا السيناريو فمن المتوقع تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 6.5% في 2022 إلى 14.162 مليار دولار مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة عند 55.27 مليار دولار.
الفشل يلاحق خطط الإصلاح.. ومخطط بونزي يبسط هيمنته
وضعت الحكومة السابقة خطة لمعالجة الخسائر في عام 2020 لكن اعتراضات القطاع المصرفي والبنك المركزي وكذلك الفصائل الطائفية التي لها الكلمة في بيروت نسفت هذه الخطة.
الخطة الجديدة التي تمت الموافقة عليها في مايو واجهت اعتراضات كذلك.
ويريد صندوق النقد الدولي من لبنان الموافقة على خطة إعادة هيكلة مصرفية كأحد الشروط المسبقة للموافقة على مسودة اتفاقية التمويل.
وتساءل التقرير إلى أي مدى لبّت السلطات احتياجات التمويل من خلال مخطط “بونزي”، مؤكداً أنه كلما تم تنفيذ الإصلاحات الضرورية بصورة مبكرة كلما كانت تكلفة مخطط بونزي أقل إيلاماً للبنانيين.