مبدأ دولى : السيادة الإقليمية للدولة لتطوير الطاقة الهيدروليكية مُقيد بعدم تغيير مجرى النهر
سد النهضة يستدعى ذاكرة الشرعية النهرية حول العالم
التوتر بين فرنسا وإسبانيا فى قضية بحيرة لانو Lanoux عام 1957 هدد السلم والأمن الدوليين وأنهاه التحكيم الدولى خلال 11 شهر فقط , والسد الإثيوبى ينذر بشر مستطير فى الشرق الأوسط !
نواصل عرض أهم أحكام محكمة العدل الدولية من خلال أحدث دراسات القاضى الفقيه المصرى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المصرى المعروف بأبحاثه العلمية الوطنية بعنوان :” مسئولية الأمم المتحدة وحقوق مصر التاريخية فى مياه نهر النيل والاستقرار القضائى لمحكمة العدل الدولية توثيق لعداون إثيوبيا على قواعد الأنهار . دراسة تحليلية فى ضوء تدخل الأمم المتحدة فى النزاعات المائية النظيرة حماية للدول المتشاطئة من الإضرار بها , والمبادئ التى استنتها محكمة العدل الدولية فى وحدة المصالح للمجارى المائية لبيان عدوان إثيوبيا على مياه نهر النيل “, وهو الموضوع الذى توليه مصر موضع الأهمية القصوى ويشغل بال المجتمع الدولى ويؤثر على استقرار المنطقة بأكملها , ونظرا لما تعرضه إثيوبيا من مغالطات للمجتمع الدولى وجب تنوير الرأى العام العربى والإفريقى والعالمى وفقا لقواعد العلم القانونى والانصاف والتاريخ , وأهمها السوابق القضائية لأحكام محكمة العدل الدولية , وهو ما يتناوله الفقيه فى الجزء التاسع من الدراسة لثلاثة مبادئ جدد لتصبح مبادئ المحكمة الدولية ثلاثة عشر مبدأ قضائيا على مدار تاريخها استجمعها الفقيه المصرى وتؤكد حقوق مصر التاريخية على نهر النيل وتدحض أى تصرف أحادى لإثيوبيا دون تفاوض أو اتفاق .
يقول القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن التحكيم الدولى قرر ثلاثة مبادئ مهمة بصدد قضية بحيرة لانو Lanoux عام 1957 بين فرنسا وإسبانيا وهى مبدأ السيادة الإقليمية المحدودة للدول المتشاطئة يوجب الحظر على دول المنبع بإجراء أى تغيير فى مجرى النهر بطريقة تشكل إضراراً للدول المشتركة معها فيه – مبدأ حق الدولة فى تنفيذ مشروعاتها لتطوير الطاقة الهيدروليكية التي ترغب بها على أراضيها مقيد بعدم تغيير مجرى النهر على نحو يضر بالدول المتشاطئة – مبدأ عدم جواز قيام أي دولة باستخدام أراضيها بما يضر و يتعارض مع حقوق الدول الأخرى , وقد ذهب حكم المحكمة إلى حق فرنسا فى استخدام حقوقها دون تجاهل المصالح الإسبانية . وهو ذات ما ذهبت إليه محكمة العدل الدولية في قضية مضيق كورفو عام 1949 وإن كانت الأخيرة لا تتعلق بالمياه العذبة بل بالبيئة البحرية .
ويضيف أن التحكيم الدولى قد قام بتطبيق مبدأ الاستخدام غير الضار للمجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية بصدد مشروع تحويل فرنسى لمياه بحيرة لانو من أجل توليد الطاقة الكهرومائية وذلك فى قرار محكمة التحكيم في قضية بحيرة لانو Lanoux عام 1957 بين فرنسا وإسبانيا بصدد المشروع الفرنسي لنقل مياه الكارول ثم إعادتها مرة أخرى إلى مجرى النهر قبل دخولها إلى الأقليم الإسبانى , وانتهت محكمة التحكيم في حكمها الصادر فى 16 نوفمبر عام 1957 إلى أنه يجوز لفرنسا أن تستخدم حقوقها ، لكن يجب أن تضع اعتباراً لمصالح الدولة الأخرى , وأكدت أن المشروع الفرنسي التزم بمعاهدة بايون كما التزم بالمحضر الإضافي لها , وأن فرنسا وضعت المصالح الإسبانية فى عين الاعتبار دون إضرار بها , إذ أن القاعدة الأصيلة فى الشرعية النهرية تحظر على فرنسا أن تتجاهل المصالح الإسبانية .
ويشير الدكتور محمد خفاجى أن قضية بحيرة لانو تتلخص وقائع النزاع فى قيام كل من أسبانيا وفرنسا بتوقيع ثلاث معاهدات متلاحقة بشأن تنظيم الحدود بينهما في مدينة Bayonne الأولى فى أول ديسمبر 1856 والثانية فى 14 أبريل 1862 والثالثة فى 26 مايو 1866 أعقبهم ملحق إضافي يتعلق بالاستخدام المشترك للمياه بين الدولتين , ثم وافقت الحكومة الفرنسية في عام 1950 على خطة لتنمية الطاقة الكهرومائية داخل الأراضي الفرنسية ذاتها ، وقد تطلبت خطتها تحويل المياه بحيرة لانو تجاه نهر Ariege في فرنسا وانقاص لكميات كبيرة من الماء من نهر كارول أحد الروافد المتفرعة من بحيرة لانو ، فاعترضت إسبانيا على سند من تأثير تلك الخطة على مصالحها وأن ذلك سيخلق فرص عدم المساواة بين الدولتين بالمخالفة لنصوص معاهدة بايون عام 1866 ومحضرها الإضافى ، وطالبت بعدم استكمال أي خطة أخرى دون إخطارها والتوافق بشأنها، بل طالبت بإتخاذ خطوات بشأن إنشاء لجنة دولية لدراسة كافة المسائل ذات الصلة بينهما بما يضمن تحقيق المصالح الإسبانية الفرنسية , وعلى إثر ذلك أبرمت الدولتان مشارطة التحكيم بتاريخ 19 نوفمبر 1956 بقصد عرض النزاع على التحكيم الدولي .
ويلاحظ الدكتور محمد خفاجى أن حكم التحكيم تم انجازه فى وقت قصير إذ صدر خلال 11 أشهر فقط من بداية طرح النزاع وكان بمثابة حل وقائى للأزمة بين فرنسا وإسبانيا حيث ساد التوتر بينهما على نحو يهدد السلم والأمن الدوليين وهى ذات الاعتبارات بل أوجب بالنسبة لأزمة سد النهضة الإثيوبى , فلماذا لا يقدر المجتمع الدولى خطورة أزمة الملء الثانى لسد النهضة الإثيوبى على الدول المتشاطئة والتغول على الحقوق التاريخية المكتسبة منذ اَلاف السنين لمصر على حصصها فى نهر النيل الذى ينذر بشر مستطير فى منطقة الشرق الأوسط ! خاصة وهناك خرقاً من الجانب الإثيوبى لمبدأ التعاون بين الدول بحسن النية عند إدارة الموارد المائية المشتركة , وخرقا لمبدأ وجوب الإخطار والتشاور بين دول المنبع والمصب في حالة العزم على إنشاء المشاريع المائية .إذ لا يعتبر تشكيل لجنة الخبراء من قبيل الاخطار المسبق بالمعنى الفنى الدقيق كما عناه المشرع الدولى .
ويضيف عن وقائع النزاع النهرى أن فرنسا وإسبانيا وقعت في مدينة بايون في 26 مايو 1866 على القانون الإضافي للمعاهدات الحدودية المبرمة في 2 ديسمبر 1856 و 14 أبريل 1862 و 26 مايو 1866 لتنظيم المياه ذات الاستخدام المشترك , وفي 21 سبتمبر 1950 ، تقدمت شركة كهرباء فرنسية بطلب إلى وزارة الصناعة الفرنسية لتحويل مياه بحيرة لانوكس إلى نهر أريج. وكان من المقرر إعادة المياه التي تم تحويلها بشكل كامل إلى نهر كارول عن طريق نفق يربط بين نهري أريج وكارول فوق المخرج المؤدي إلى قناة “بويغسيردا.” وقد قبلت فرنسا مبدأ وجوب إعادة المياه المحولة ، وأن كمية المياه المراد إرجاعها يجب أن تتوافق فقط مع الاحتياجات الفعلية لمستخدمي النهر الإسبان.
وقامت الدولتان بالتوقيع على اتفاق تسوية في مدريد على أساس معاهدة التحكيم المؤرخة في 10 يوليو 1929 بين فرنسا وإسبانيا ، وفي 19 نوفمبر 1956 اجتمعت هيئة التحكيم في جنيف للبت في مسألة أولية تتمثل فى مدى وجود مبرر للحكومة الفرنسية في القيام بتنفيذ أعمال ، دون اتفاق أولي بين الحكومتين ، لاستخدام مياه بحيرة لانو بالشروط المنصوص عليها في المشروع ، ومدى انتهاكها لأحكام معاهدة بايون المؤرخة 26 مايو 1866 والقانون الإضافي في نفس التاريخ من عدمه ؟ وقد أصدرت هيئة التحكيم حكمها فى قضية بحيرة لانو في 16 نوفمبر 1957 بأن تقع الأشغال العامة المنصوص عليها في المخطط الفرنسي بالكامل في فرنسا ؛ والجزء الأكثر أهمية – إن لم يكن كل آثار هذه الأعمال – ستظهر في الأراضي الفرنسية ؛ تتعلق بالمياه التي تخضع لها المادة 8 من القانون الإضافي للسيادة الإقليمية الفرنسية , ورأت المحكمة أن هذا القانون فرض تحفظًا على مبدأ السيادة الإقليمية الذى لعب دور الافتراض ويجب أن تنحني تلك السيادة أمام جميع الالتزامات الدولية ، أيا كان مصدرها ، وفى حدود هذه الالتزامات فقط .
ويختتم الدكتور محمد خفاجى أن محكمة التحكيم قد ارتأت أنها لا تجد في المعاهدة والقانون الإضافي المؤرخ 26 مايو 1866 ، أو في القانون الدولي العرفي ، أي قاعدة تحظر على أى دولة العمل على حماية مصالحها المشروعة لكن هذه المصالح المشروعة يجب ألا تنتهك التعهدات الدولية عن طريق إلحاق ضرر خطير بدولة مجاورة , والقاعدة كذلك أنه يجوز للدول أن تستخدم القوة المائية للمجاري المائية الدولية فقط بشرط وجود اتفاق مسبق بين الدول المتشاطئة واستشهدت المحكمة بالمادة 1 من اتفاقية جنيف المتعددة الأطراف المؤرخة الأول من ديسمبر 1923 ، المتعلقة باستخدام القوى المائية التي تهم العديد من الدول , وتلك الاتفاقية لا تنال من حرية كل دولة في القيام على أراضيها بجميع العمليات التي ترغب فيها لتطوير الطاقة المائية شريطة أن تكون إجراءاتها فى إطار القانون الدولي , ورأت المحكمة أن المشروع الفرنسي يفي بالالتزامات المنصوص عليها في المادة 11 من القانون الإضافي ، وأن فرنسا في القيام بأعمال لاستخدام مياه بحيرة لانو لم تنتهك أحكام معاهدة بايون المؤرخة 26 مايو 1866 أو القانون الإضافي.
وسوف نواصل عرض الجزء العاشر من دراسة القاضى الفقيه المصرى المتميزة عن تحليله لأهم أحكام محكمة العدل الدولية وما قررته من المبادئ المؤيدة للموقف المصرى والداعمة لحقوق مصر التاريخية على مياه نهر النيل بما لا ينتقص من حصصها أو يسمح لإثيوبيا بالتصرفات الأحادية دون اتفاق أوتفويض مع الدول المتشاطئة .