وضع الرئيس اللبناني ميشال عون مساء الأربعاء رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أمام خيارين، إما تشكيل الحكومة بشكل “فوري” أو التنحي عن المهمة التي كُلف بها في تشرين الأول/اكتوبر، وحالت التجاذبات السياسية دون إتمامها.
وسارع الحريري إلى الرد على عون، متهماً إياه بالتعطيل، إلا أنه أبدى استعداده لزيارته مجدداً لبحث تشكيلة حكومية، مطالباً إياه في حال عدم موافقته، إفساح المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة.
ويعكس تصعيد المسؤولَين حجم الأزمة السياسية في لبنان، التي من شأنها أن تفاقم الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ عام ونصف على وقع صراع محموم بين القوى الرئيسية الكبرى في البلاد.
وقال عون في كلمة متلفزة “إني أدعوه إلى قصر بعبدا من أجل التأليف الفوري للحكومة بالاتفاق معي وفق الآلية والمعايير الدستورية المعتمدة في تأليف الحكومات من دون تحجج أو تاخير”.
وأضاف “أما في حال وجد نفسه في عجز عن التأليف وترؤس حكومة انقاذ وطني تتصدى للاوضاع الخطيرة التي تعاني منها البلاد والعباد، فعليه ان يفسح في المجال امام كل قادر على التأليف”.
وأكد “دعوتي مصمّمة وصادقة للرئيس المكلّف الى أن يبادر فوراً إلى أحد الخيارين المتاحين”.
ورغم ثقل الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ عام ونصف، لم تثمر الضغوط الدولية، التي قادتها فرنسا خصوصاً، عن تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات ملحة تفسح المجال أمام حصول لبنان على دعم مالي دولي ضروري.
واستقالت حكومة حسان دياب اثر انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من آب/أغسطس. وبعد طول انتظار، كلف عون في تشرين الأول/اكتوبر رئيس الحكومة السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة، بناء على نتيجة استشارات نيابية ملزمة أجراها مع الكتل البرلمانية.
ومنذ ذلك الحين، يتبادل الحريري وعون الاتهامات بالعرقلة وبوضع شروط مضادة.
وسارع الحريري إلى الرد على عون، وقال في بيان إنه سيزوره للمرة “السابعة عشر” لمناقشته في “تشكيلة متكاملة لحكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة” قدمها له قبل أسابيع “إذا سمح جدول مواعيده بذلك”.
وقال “تفاجأت، كما تفاجأ اللبنانيون جميعاً، بفخامة الرئيس وهو يدعوني عبر كلمة متلفزة إلى القصر الجمهوري، من أجل التأليف الفوري”.
وفي رده على تخييره بين التأليف الفوري أو التنحي، قال الحريري “في حال وجد فخامة الرئيس نفسه في عجز عن توقيع مراسيم تشكيل حكومة فسيكون على فخامته أن يصارح اللبنانيين (…) وأن يختصر آلامهم ومعاناتهم عبر إتاحة المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة”.
وتشير تقارير صحافية الى أن تشبّث عون وتياره السياسي بالحصول على حصّة حكومية مرجحة هو ما يعيق ولادة الحكومة، رغم أنه ينفي ذلك. كما تتحدث التقارير عن إصرار الحريري على تشكيل حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً، فيما يُطالب عون بزيادة عدد الوزراء.
ولم تنجح مبادرات محلية وخارجية حتى الآن في تقريب وجهات النظر.
وخلال كلمته الأربعاء، قال عون إن الحريري تقدم إليه “بعناوين مسودة حكومية لا تلبي الحد الأدنى من التوازن الوطني والميثاقية ما أدخل البلاد في نفق التعطيل”.
وعادة ما يتأخر تشكيل الحكومات في لبنان لأشهر عدة جراء التجاذبات بين الأطراف السياسيين وخلافاتهم على الحصص. ودفع الانهيار الاقتصادي، الذي فاقمه انفجار المرفأ وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، المجتمع الدولي بقيادة فرنسا للضغط على المسؤولين اللبنانيين لتسريع تشكيل الحكومة من دون جدوى.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي الأربعاء لصحافيين “يجب زيادة الضغط إلى حد كبير على القادة السياسيين. سيكون هذا عمل الأسابيع المقبلة”، مضيفاً “لن نتحرك بمفردنا لكن مع شركائنا الأوروبيين ومع الأميركيين”.
وأوضح “لم تكن مسألة العقوبات الأولوية في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر لكن بعد ستة أو سبعة أشهر باتت مشروعة”.
وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان مرتين منذ انفجار المرفأ وكرر مطالبة القوى السياسية بتشكيل حكومة تتولى الإصلاح، حتى أنه أعلن في أيلول/سبتمبر عن مبادرة قال إن كل القوى السياسية وافقت عليها ونصت على تشكيل حكومة خلال أسبوعين.
ويفاقم الشلل السياسي الذي تشهده البلاد غضب اللبنانيين.
وعادت منذ مطلع الشهر الحالي الاحتجاجات إلى شوارع لبنان مع استمرار تدهور الليرة، التي سجلت الثلاثاء انخفاضاً قياسياً ولامس سعر الصرف مقابل الدولار عتبة 15 ألف ليرة في السوق السوداء، في سقوط حر مستمر منذ بدء الانهيار الاقتصادي.
وقطع متظاهرون لأيام طرقاً رئيسية في أنحاء البلاد. وتستمر التحركات بشكل شبه يومي، لكن بصخب أقل.
وعمد محتجون الأربعاء إلى قطع طرق عدة في بيروت ومناطق لبنانية أخرى، كما حاولت مجموعة منهم اقتحام وزارة الاقتصاد احتجاجاً على ارتفاع الأسعار.
وأعلن ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا الأربعاء زيادة جديدة في سعر الوقود تجاوزت الأربعة آلاف ليرة لليتر الواحد خلال أسبوع. وبذلك، يكون سعر البنزين قد ارتفع حوالى 49 في المئة بين 24 تموز/يوليو و17 آذار/مارس.
وينعكس انهيار الليرة على أسعار السلع التي ارتفعت بنسبة 144 في المئة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.