قاضٍ مصرى : الأخلاق العظيمة للنبي محمد فى رعاية أسرى الحرب –الإسلام سبق المجتمع الدولى بأخلاقيات زمن الحرب
رسول الإنسانية يأمر بإطلاق أسرى نساء هوازن وأطفالها فى حنين
وصية الرسول منذ 1445سنة عاملوا أسرى الحرب بإنسانية “الأسير يحمى بأسره، والجريح بجرحه”
الخليفة الأول الصديق على نهج الرسول وضع 10 قواعد لأخلاقيات الحرب قبل المدنية الحديثة بعدة قرون
الخليفة عمر بن عبد العزيز يؤكد النهج النبوى بحظر قتل الأطفال والنساء فى الحرب
يثور التساؤل بمناسبة الهدنة بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية حماس عن القواعد الحاكمة لتنظيم الهدنة دولياً , وهى الهدنة التى تم خلالها إطلاق سراح العشرات من الأشخاص الذين تم احتجازهم كرهائن خلال الحرب بينهما، مما يمثل أول فترة راحة للفلسطينيين الذين أنهكتهم الحرب في قطاع غزة وبصيص أمل لبعض عائلات الأسرى , تلك الهدنة التى بذلت فيها مصر دولة المبادئ جهداً كبيراً يعبر عن مكانتها الإقليمية فى صنع القرار الدولى وشاركتها قطر والولايات المتحدة الأمريكية التى تحركها اعتبارات المصالح .
ويواصل المفكر والمؤرخ القضائى القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة إحدى دراساته المهمة فى هذا الشأن بعنوان ” قواعد تنظيم الهدنة بين المتحاربين وحقوق أسرى الحرب فى لائحة لاهاى — والأخلاق العظيمة للنبي محمد –صلى الله عليه وسلم- فى رعاية أسرى الحرب وسبق الإسلام المدنية الحديثة بأخلاقيات زمن الحرب ”
ونعرض فى الجزء الثالث الأخير لدرة الكون فى مجال حقوق الأسرى فى عدة نقاط مهمة يعرضها المفكر الكبير أهمها الأخلاق العظيمة للنبي محمد –عليه الصلاة والسلام – فى رعاية أسرى الحرب والإسلام سبق المجتمع الدولى بالرحمة فى زمن الحرب , ورسول الإنسانية يأمر بإطلاق أسرى نساء هوازن وأطفالها في حنين , ووصية الرسول منذ 1445سنة عاملوا أسرى الحرب بإنسانية ولطف , “الأسير يحمى بأسره، والجريح بجرحه” , والخليفة الأول الصديق على نهج الرسول وضع 10 قواعد لأخلاقيات الحرب قبل المدنية الحديثة بعدة قرون , والخليفة عمر بن عبد العزيز يؤكد النهج النبوى بحظر قتل الأطفال والنساء فى الحرب , وذلك فيما يلى :
أولاً : الأخلاق العظيمة للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – فى رعاية أسرى الحرب والإسلام سبق المجتمع الدولى بأخلاقيات زمن الحرب
يقول الدكتور محمد خفاجى لأول مرة في التاريخ الديني تبنى الإسلام رعاية أسرى الحرب بالرحمة والإنسانية وعلى نحو غير مسبوق في الأنظمة المدنية الحديثة والمجتمع الدولى ، وقبل قرون طويلة من اتفاقية جنيف ، حيث استن الإسلام قاعدة أصولية فى زمن الحرب مفادها “أن الأسير يؤوي من أسره، والجريح من جرحه.” وقد جرى العمل فى المدنية الحديثة بإجازة تشغيل الأسير فى الحروب وفقا لما نصت عليه المادة 6 من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف اﻟﺣرب البرية لاهاى, كما كان فى السابق أن يعمل الأسير من أجل الحصول على طعامه وهو مالم يأخذ به الإسلام .
ويضيف إن معاملة الأسرى تتصف فى العصر الحديث بالنسبية لاختلافها من عصر لآخر ، بل ومن شريعة لأخرى ، فالبعض يبطش بالأسرى لإرهاب عدوه ، ولم تعرف البشرية جمعاء محارباً أرحم وأعطف وألطف بمحاربيه ومن يقع في يديه من أسرى سوى رسول الإنسانية محمد عليه الصلاة والسلام , فقد ساد وقت طويل من الزمن تجهل فيه المجتمعات وقوانينها وأعرافها أخلاقيات الحرب , ولم تعترف الاتفاقات الدولية الحديثة إلا بحقوق مادية للأسرى دون الحقوق المعنوية والإنسانية ، ولكن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام وضع للعالمين منهجاً مادياً ومعنوياً وإنسانياً سامياً خالداً لحقوق الأسرى حيث شرع لهم حقوقاً على المسلمين ، ورغم أنهم مجرد محاربين للإسلام ، إلا أنه منحهم خلال الأسر المعاملة الحسنة والإنسانية والحرية الدينية ، والحق في الطعام ، والكسوة ، كما أخبرتنا سيرته العطرة .
ويشير إلى أن النبي محمد أمر أصحابه أن يحسنوا إلى الأسرى, فإذا ما أخرجت الحرب أثقالها ووضعت أوزارها ، ووقع المقاتلون من الكفار أسرى في أيدي المسلمين ، انتهج النبي محمد – عليه الصلاة والسلام – معاني الرحمة والكرامة والإنسانية التي تراعي حقوق الأسرى ، والتي لم تبلغها قواعد القانون الدولي الإنساني المعاصر التى وضعتها الجماعة الدولية ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( استوصوا بالأُسَارَى خيراً) رواه الطبراني .
ويذكر على الرغم من أن القتال فى ساحة المعركة عملية ميدانية تزهق فيها الأرواح وتجرح خلالها الأبدان ، فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استن للمسلمين آدابا يتحلون بها طوال الحرب وقبلها وبعدها , فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال) : كان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ، ثم قال : اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا و لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً ) رواه مسلم .
وقد أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام -أصحابه بعد معركة بدر بمعاملة أسرى المشركين معاملة حسنة ، وقال لهم : (استوصوا بالأسارى خيراً) رواه الطبراني , ضارباً أروع الأمثلة في معاملة الأسرى , إذ يقول أخٌ لمصعب بن عمير ـ رضي الله عنه :”وكنت في نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني البر، لوصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم – ” رواه الطبراني .
ومن حقوق الأسير أيضاً حقُّه في ممارسة شعائر دينه خلال مدَّة أسره ، فلا يُجبر الأسير على اعتناق الإسلام ، ولم يُعرف عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه أجبر أسيرًا على اعتناق الإسلام ، ومن ثم لما رأى بعض الأسرى تلك المعاملة من رسول الله دفعهم ذلك إلى اعتناق الإسلام ، وكان ذلك بعد إطلاق سراحهم ، كما فعل ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ ـ رضي الله عنه ـ ، فبعد أن أمر النبي بإطلاق سراحه , ذهب ليغتسل ويُسلِمَ ، وكذلك فعل الوليد بن أبي الوليد بعد أن افتداه أهله من رسول الله أسلم ، فقيل له : لماذا أسلمت بعد الفداء ؟ فقال : حتى لا يظنَّ أحد أنما أسلمتُ من عَجْزِ الأسر.
ثانياً : رسول الإنسانية يأمر بإطلاق أسرى نساء هوازن وأطفالها في حنين
ويذكر في السنة الثامنة من الهجرة النبوية كان انتصار المسلمين على هوازن في حنين , و هوازن هي إحدى القبائل الكبيرة المشهورة في الجزيرة العربية , وكان انتصاراً عظيماً، وغنموا منهم مغانم كبيرة ، قدِم النبي صلى الله عليه وسلم الجعرانة (موضع بين الطائف ومكة)، فأقام بها ثلاث عشرة ليلة، وأخر قَسْم الغنائم ، وكانت الغنائم كثيرة ومتنوعة ومتباينة ، كما أسروا عدداً ضخماً من المشركين معظمهم من نساء هوازن وأطفالها .
ويضيف عندما عاد النبي – عليه الصلاة والسلام – ، جاء وفد هوازن لرسول الله الكريم بالجعرانة وقد أسلموا ، فقالوا : يارسول الله إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء مالم يخف عليك ، فامنن علينا منَّ الله عليك , وقد لبَّى النبي محمد الطلب بكل إنسانية وتسامح وعفو وكرم ، وأطلق سراح كل الأسرى ، فلقد كان النبى الكريم ينشد في ذروة انتصاره أن يدخل الناس في دين الله ، وتلك فلسفة أسمى وأرقى ,تعلو على مجرد فكرة عقابهم أو الانتقام منهم , وبهذه الإنسانية استطاع رسول الله أن يكسب هوازن وحلفاءها إلى الإسلام ، بل اتخذ من هذه القبيلة القوية حينذاك طريقاً لمواجهة قوى الوثنية في الجزيرة العربية , كما تذكره التاريخ .ومن ثم فإن الأخلاق العظيمة للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – فى رعاية أسرى الحرب تسجل للعالم أن الإسلام سبق المجتمع الدولى بأخلاقيات زمن الحرب
ثالثاً : وصية الرسول منذ 1445سنة عاملوا أسرى الحرب بإنسانية ولطف “الأسير يحمى بأسره، والجريح بجرحه”
ويذكر الدكتور محمد خفاجى أن ما أقصده من عبارة ” عاملوا أسرى الحرب بإنسانية ولطف ” , هذه ليست مادة من مواد اتفاقيات جنيف عن حقوق أسرى الحرب , ولا نصاً وضعياً من صنع البشر , وإنما هى خلاصة وصية النبي محمد – عليه الصلاة والسلام – لأصحابه منذ 1445 سنة. لقد وضع الإسلام قواعد أخلاقيات الحرب، ففي زمن النبي محمد وضع المسلمون معيارًا غير مسبوق لأخلاقيات التعامل مع الأعداء من خلال أسراهم , لقد عاملوا أسرى الحرب بطريقة لم يقررها التاريخ من قبل ومن بعد , لقد وضع الإسلام قاعدة جوهرية فى الحماية الإنسانية للأسرى وهي أن “الأسير يحمى بأسره، والجريح بجرحه”.
ويشير إن ما يحدث بأسرى الحرب لدى بعض المتحاربين فى المجتمع الدولى يمر بأزمات أخلاقية في العالم الحديث فى مناطق شتى من بقاع الأرض ، على أنه إذا كانت المرونة وحسن الخلق،والرحمة مع الضعيف، والتسامح بين الأشخاص والدول من سمات أي أمة في زمن السلم , فإن حسن المعاملة في زمن الحرب، والمرونة مع الأعداء، والرحمة والإنسانية مع النساء والأطفال والشيوخ والتسامح مع المهزومين، صفات انتهجها وأختصها رسول الإنسانية محمد عليه الصلاة والسلام , فقد اتصف وحده بالإنسانية الرحيمة الصالحة في أشرس المعارك وأحلكها ظلمة.
رابعاً : الخليفة الأول الصديق على نهج الرسول وضع 10 قواعد لأخلاقيات الحرب قبل المدنية الحديثة بعدة قرون
ويذكر الدكتور خفاجى قد قام الخليفة الأول للمسلمين أبو بكر الصديق على نهج النبى بوضع عشر قواعد فى زمن الحرب بين المتحاربين قبل المدنية الحديثة بعدة قرون تعتبر ميثاقاً لقواعد أخلاقيات الحرب بين المتحاربين , ففي وثيقة شهيرة ، ذكرها أبو بكر الصديق، الخليفة الأول، لقائده العسكري والتى قال فيها : “توقفوا أيها الناس حتى أعطيكم عشر قواعد يهتدي بها في ساحة القتال—ويمكن حصر تلك القواعد فيما يلى :
1-لا تغدر ولا ترتكب الخيانة ولا تحيد عن الطريق الصحيح. 2- لا يجوز التمثيل بجثث الموتى أو تشويهها 3- ولا تقتلوا طفلاً ولا إمرأة ولا رجلاً في منتصف العمر4- لا تؤذي الأشجار ولا تقطعوا الأشجار المثمرة. ولا تحرقها بالنار خاصة المثمرة
5- لا تدمر المناطق المأهولة؛ 6- لا تقتل أي قطيع من قطيع العدو، إلا ما هو بمثابة طعام لك ولا تذبحوا شيئاً من غنم الأعداء أو بقرة أو جمل إلا للطعام؛ 7- لا تحرقوا النخل ولا تغرقوه. 8- لا تختلس فلا يجوز اختلاس الغنائم أو غنائم الحرب 10- ولا تكون مذنبًا بالجبن فمن المحتمل أن تصادف أشخاصًا كرسوا حياتهم للخدمات الرهبانية؛ دعهم و شأنهم.
خامساً : الخليفة عمر بن عبد العزيز يؤكد النهج النبوى بحظر قتل الأطفال والنساء فى الحرب
ويذكر قد اهتم الخليفة عمر بن عبد العزيز بأخلاقيات الحرب على النهج النبوى وحظر قتل الأطفال ، وكان أي جيش مسلم يستعد للحرب في سبيل الله يتلقى هذه التعليمات المذكورة أعلاه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحتى من أصحابه بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم). وفي هذا الصدد، روى الإمام مالك رضي الله عنه أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بعض عماله: “بلغنا أنه لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث سرية فيقول لهم: اغزووا بسم الله في سبيل الله، وقاتلوا من يكفر الله. لا تسرقوا الغنيمة ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الأطفال. فقولوا كذلك لجيوشكم وفرقكم إن شاء الله، والسلام عليكم.” (المُوَطّأ للإمام مالك)
ويختتم القاضى المصرى الدكتور محمد خفاجى فى دراسته القيمة بقوله هكذا يبين مدى التقدم والرقى للقواعد الأخلاقية للمتحاربين فى زمن الحرب والمعاملة الإنسانية للأسرى التى انتهجها رسول الإنسانية محمد عليه الصلاة والسلام , وصار على هديها الخلفاء الراشدين ومن بعدهم والتى تفوقت على ما وضعته الأمم المتمدينة فى اتفاقاتها الدولية لحماية المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ والممتلكات والأماكن المأهولة , حتى بما فيها من البيئة المحيطة بالإنسان وعلى قمتها الحفاظ على الأشجار دون قطعها أو إتلافها أو حرقها أو حتى إيذائها بحسبانها من كائنات الله , فقد اتصفت بالسلام وهى رسالتك للعالمين أما الحرب فإنها أمر طارئ اضطرك إليه الأعداء واتصفت مع أسراهم بالإنسانية , ولهذا رفضت أن يسمى الوليد باسم حرب , فقد أراد على كرم الله وجهه أن يسمى ابنه الأول حرباً فسميته أنت حسناً , ثم أراد أن يسمى ابنه الثانى حرباً فسميته حسيناً , فسلام الله وصلواته عليك يا سيدى يا رسول الله .