المازوخية هي سمة من سمات السلوك البشري تُعرف بالتعرض أو التمتع بتلقي الألم أو المعاناة، سواء كانت جسدية أو عاطفية. في بعض الحالات، يمكن أن تكون هذه السمة جزءًا من تجربة جنسية أو عاطفية متفق عليها بين طرفين. ولكن، في حالات أخرى، قد تتداخل المازوخية مع اضطرابات نفسية معقدة، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الحياة الشخصية والعلاقات العاطفية. وفي مقالنا اليوم هنتكلم عن العلاقة بين المازوخية والاضطراب النفسي، وكيفية تأثيرها على العلاقات الاجتماعية والعاطفية.
ونبدا بتعريف المازوخية؟
المازوخية هي مصطلح ينحدر من الأدب والفلسفة الألمانية، حيث سميت نسبة إلى الكاتب النمساوي Leopold von Sacher-Masoch الذي قدم في أعماله الأدبية تصورات عن الشخصيات التي تجد لذة في معاناتها. في السياق النفسي، تُعرَف المازوخية على أنها الميل أو التفضيل لتلقي الألم أو الخضوع المعنوي، وغالبًا ما يكون ذلك في علاقات تقوم على القوة والسيطرة.
ويمكن أن تتجلى المازوخية في العديد من السلوكيات مثل الرغبة في التعرض للأذى الجسدي، أو الاستسلام للمعاملة السيئة من الشريك أو الآخر، وقد تكون جزءًا من ديناميكية معقدة في العلاقات العاطفية أو الجنسية. في هذه الحالات، يتم تبادل الأدوار بين الأفراد، حيث يصبح أحدهم المهيمن (السادي) والآخر هو الذي يتعرض للألم (المازوخي).
ولذلك نجد ان المازوخية وتاثيرها علي النفس كاضطراب نفسي حيث قد يمارس البعض المازوخية في سياقات آمنة ومتفق عليها في علاقاتهم، إلا أن البعض الآخر قد يختبر المازوخية على نحو مفرط أو يعانون من اضطرابات نفسية مرتبطة بها. في هذه الحالات، يمكن أن تصبح المازوخية سمة تؤثر على جودة الحياة الشخصية والعاطفية، وقد تتداخل مع عدة أنواع من الاضطرابات النفسية. في حين تاثير المازوخية كاضطراب شخصي ممكن يرتبط باضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder). حيث يعاني الأشخاص الذين لديهم هذا الاضطراب من تقلبات شديدة في المزاج والعلاقات العاطفية، بالإضافة إلى تذبذب في تقدير الذات. في هذا السياق، قد يظهر الشخص المازوخي سلوكيات مبالغ فيها من الخضوع أو تفضيل المعاناة الذاتية، وهو نوع من البحث المستمر عن الانتباه أو المعاملة القاسية التي تخلق فيهم شعورًا بالوجود.
اما بالنسبة للمازوخية والاكتئاب:
فقد يرتبط الاكتئاب أيضًا بالسلوكيات المازوخية. الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب قد يشعرون بأنهم لا يستحقون الحب أو السعادة، مما يجعلهم يسعون إلى تكريس معاناتهم. في بعض الحالات، يربط الأفراد الذين يعانون من الاكتئاب الألم الجسدي أو العاطفي بالتحقق من وجودهم أو كعقاب لأنفسهم. قد تُظهر هذه السلوكيات تجنبًا للبهجة أو السعادة خوفًا من “الذنب” أو مشاعر عدم الاستحقاق.
المازوخية والقلق الاجتماعي.
يمكن أن يرتبط القلق الاجتماعي أيضًا مع المازوخية في بعض الحالات. الشخص الذي يعاني من القلق الاجتماعي قد يفضل تجنب الصراعات أو المواجهات، ويجد الراحة في الخضوع للآخرين لتجنب الرفض أو الانتقاد. من خلال التصرفات المازوخية، قد يتجنب الشخص القلق الناتج عن الحاجة للتعبير عن نفسه بشكل مباشر أو الدفاع عن حقوقه.
ونري ان تاثير المازوخية في سياق العلاقات بمكن ان يكون سمة مهيمنة في علاقة عاطفية أو جنسية، قد تؤدي إلى عدم التوازن في الديناميكية العاطفية بين الشريكين. في حالات صحية، قد يتم الاتفاق بشكل واضح على أدوار السادية والمازوخية بين الطرفين في إطار من الثقة والاحترام المتبادل. ولكن عندما تكون المازوخية ناتجة عن اضطراب نفسي، فقد يؤدي ذلك إلى علاقة غير متوازنة حيث يكون أحد الطرفين في موقع السيطرة المستمرة، والآخر في موقع الخضوع المستمر. وبالتالي في حالات مثل هذه، قد يشعر الشخص المازوخي بأن الألم هو ما يحدد علاقته العاطفية، مما يعيق قدرة الشخص على إقامة علاقات صحية أو التمتع بالتجارب الإيجابية. قد تصبح هذه السلوكيات جزءًا من نمط مستمر من تدمير الذات، حيث يعيد الشخص فرض الألم على نفسه بشكل غير واعي.
اما بالنسبة للتعامل مع المازوخية كاضطراب نفسي:
إذا كانت المازوخية تتداخل مع اضطراب نفسي أو تؤثر سلبًا على الحياة اليومية والعلاقات، فإن العلاج النفسي قد يكون ضروريًا. العلاج النفسي، وخاصة العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، يمكن أن يساعد الأفراد في فهم جذور هذه السلوكيات وتطوير استراتيجيات للتعامل معها. يساعد العلاج أيضًا في معالجة القضايا الأساسية مثل قلة الثقة بالنفس، مشاعر الاستحقاق، والتعلق غير الصحي.
في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر علاجًا دوائيًا، خاصة إذا كانت المازوخية مرتبطة بأعراض مثل الاكتئاب أو القلق. يمكن أن يساعد العلاج الدوائي في تخفيف الأعراض النفسية التي قد تؤدي إلى السلوكيات المازوخية المفرطة.
ومن هنا نعرف ان المازوخية ليست بالضرورة اضطرابًا نفسيًا بحد ذاتها، لكن عندما تصبح جزءًا من نمط سلوكي مفرط أو تتداخل مع اضطراب نفسي، قد تؤثر على الحياة العاطفية والنفسية بشكل كبير. من المهم أن يفهم الأفراد أن السلوك المازوخي قد يكون نتيجة لتجارب نفسية أعمق، وأن العلاج والدعم النفسي يمكن أن يساعد في تحسين الحياة العاطفية والنفسية، والتعامل مع هذه الميول بطريقة صحية ومتوازنة.
الكاتب :متخصص في العلاقات الانسانية