كنت في زيارة بصحبة شقيقتي، أخصائية الجلدية والتجميل، إلى كلية الطب بجامعة عين شمس، الكلية العريقة التي تخرجت منها منذ أكثر من أربعين عامًا، والتي حصلت شقيقتي منها على درجة الماجستير في تخصصها. وخلال الزيارة، بهرنا بما شاهدناه من تطور غير مسبوق في مباني الكلية وأقسامها المختلفة، والتوسع والتحديث الذي شهدته مستشفياتها بأقسامها المتنوعة وتخصصاتها المختلفة، وما صاحب ذلك من تحسينات في البنية التحتية، مثل الطرق الحديثة داخل الحرم الجامعي، والحدائق الخضراء، ومواقف السيارات. لقد أظهرت هذه التحسينات ملامح العصر الحديث واحتياجات منظومة التعليم والتدريب الطبي والفني.
تأسست كلية الطب بجامعة عين شمس عام 1947 تحت اسم “كلية طب الدمرداش”، نسبة إلى مستشفى الدمرداش الذي أُنشئ عام 1928 وافتتح عام 1931 بفضل تبرع من السيد عبدالرحيم مصطفى الدمرداش وزوجته وابنته. في بداية نشأتها، كانت الكلية تابعة لجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، وكانت تُعرف باسم كلية طب العباسية قبل أن تُضم إلى جامعة عين شمس عام 1950، لتصبح ثالث كلية طب في مصر بعد جامعتَي القاهرة والإسكندرية. اختيرت مباني ملجأ الحرية، المجاورة لمستشفى الدمرداش، لتكون مقرًا للأقسام العلمية الأساسية والطب الشرعي والطب الوقائي، وتوسعت الكلية لتشمل مستشفى الأطفال، الذي كان مقرًا للجمعية المصرية لرعاية الأطفال. على مر السنوات، أصبحت الكلية رمزًا للريادة في التعليم الطبي في مصر والعالم العربي.
اليوم، تعد كلية الطب بجامعة عين شمس واحدة من أبرز المؤسسات التعليمية والطبية في المنطقة، وتمثل امتدادًا لأقدم جامعة عرفتها البشرية، وهي جامعة أون (هليوبوليس)، التي اشتهرت بكونها مركزًا علميًا ودينيًا منذ العصور القديمة، وامتدادًا لأول مدرسة للطب الحديث في مصر التي أُنشئت في أبي زعبل عام 1827. تقع الكلية على مساحة شاسعة من الأراضي الزراعية التي كانت تُروى بالجداول والسواقي، وأحيطت بأسوار عالية لزيادة أهميتها ومكانتها.
تتميز الكلية اليوم بمستشفياتها الجامعية التي تبلغ سعتها السريرية أكثر من 3200 سرير، وتضم أكثر من 3000 أستاذ جامعي، إضافة إلى 2000 من الكوادر الطبية المساعدة، يعملون في أكثر من 34 قسمًا أكاديميًا و24 قسمًا إكلينيكيًا موزعين على المستشفيات والتخصصات المختلفة. الكلية تُدرّس لطلاب مصريين وعرب وأجانب من مختلف الدول، وخرّجت شخصيات بارزة من رواد الطب والقيادات الصحية على المستويات المحلية والعربية والعالمية. كما تسهم بفعالية في تطوير النظم الصحية والتعليم الطبي والتدريب السريري المتقدم.
كلية الطب بجامعة عين شمس تواصل أداء رسالتها السامية في إعداد أطباء مؤهلين ذوي مهارات تنافسية محليًا ودوليًا، ملتزمين بأعلى معايير الأخلاقيات المهنية والخدمات الطبية. كما تركز الكلية على التطوير المستمر لبرامجها ومناهجها الدراسية، ودعم البحث العلمي في المجالات الطبية والصحية، إلى جانب تعزيز البحوث التطبيقية وبرامج الرعاية الصحية لخدمة المجتمع وتلبية احتياجاته.
إن هذه الكلية العريقة، التي تمثل استمرارًا لتاريخ مصر الطويل في الطب والصيدلة والرعاية الصحية، تواصل تحقيق الريادة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، وتنهج شراكات عالمية لتعزيز التعليم الطبي والبحث العلمي. لقد ساهم علماؤها وأطباؤها في إنشاء كليات طب ومستشفيات في العديد من الدول العربية والعالمية، وقدموا خبراتهم في مختلف المراكز الطبية والبحثية حول العالم.
إن ما شهدناه من تطور وتقدم في كلية الطب بجامعة عين شمس ومستشفياتها يجعلنا نفخر بهذا الصرح العظيم الذي لا يزال يؤدي دوره الرائد في التعليم الطبي وخدمة المجتمعات. أدعو الجامعات وكليات الطب العربية إلى الاستفادة من الخبرات المصرية العريقة، التي تمتد جذورها لأكثر من قرنين، والتي وضعت أسس التعليم الطبي الحديث وأسهمت في تطويره. مصر كانت وستظل منارة العلم والطب، التي شيدت المستشفيات منذ ثمانية قرون، وأوقفت لها الأراضي والمباني والمشاريع، وطببت المرضى من كل أصقاع الدنيا.
حفظ الله مصر الكنانة وشعبها العظيم، وزادها الله رفعة وازدهارًا.
الكاتب :عضو اللجنة الفنية الاستشارية لمجلس وزراء الصحة العرب -ليبيا