الخط الأحمر … هو خط وهمى ترسمه أو تحدده إحدي القوي، ويكون بمثابة خط فاصل لا يجوز تجاوزه من قبل الطرف الآخر أو الخصم المحتمل وإلا اعتبر ذلك بمثابة استفزاز وإستهانة بمن حدد مسار هذا الخط أو الدولة التي حددته خاصة وأن من يقوم بتحديد هذا الخط إنما يحدده في الغالب على سبيل الردع وليس بالضرورة أن يكون علي سبيل التهديد، لذلك يعتبر رسالة غير مباشرة تضع الخصم موضع المحاصر ويشل حركته وتلقي في نفسه الرعب وتظهر ضعفه أمام الجميع.
ورغم أن تعبير الخط الأحمر قد يكون له أكثر من دلالة .. فكما هو وسيلة ردع يمكن أن يكون وسيلة اتصال في ظروف طارئة فقد أنشيء مباشرة بعد أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 خط اتصال سمي ب “الخط الأحمر” بقصد تمكين كل من روسيا والولايات المتحدة من الاتصالات الفورية والعاجلة بشأن الأزمات الدولية الطارئة وتسوية الأمور العاجلة خاصه وأن إنعدام التواصل المباشر بين هاتين الدولتين بإعتبارهما أكبر قوتين في العالم يمكن أن يتسبب في كارثه حيث كان من المحتمل قيام حرب نووية بين الدولتين بسبب هذه الأزمة ، وتفادياً لبطء المراسلات بين الدولتين اقترح الرئيس السوفيتي فتح ” خط أحمر” للتواصل بينه وبين الرئيس الأمريكي ، وهو عبارة عن جهاز تلكس أتاح التواصل المشترك بينهما عبر برقيات مكتوبه ومشفرة .
وتم استخدام هذا الخط بصورة مشتركة مرة أخري في عام 1967 أثناء العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن وكذلك في حرب عام 1973، ثم توالي افتتاح الكثير من الخطوط المماثلة بين دول مختلفة في ظروف طارئه جداً كما حدث مع الصين وروسيا في عام 1996، والصين والولايات المتحدة في عام 1998 ثم الهند وباكستان في عام 2005، وبين الكوريتين وغيرهم من الدول.
وفى عام 2020 حينما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن” سرت والجفرة” خطاً احمر بالنسبة لمصر، في إشارة منه للمرتزقة والدول الداعمة لهم في ليبيا أنه في حال تجاوز القوات الليبية الموالية لحكومة الوفاق المدعومة من تركيا والغرب لهذا الخط فإن هذا التجاوز يعد بمثابة عدوان ليس على الشعب الليبي فقط وإنما على الأمن القومي لمصر وعلى الاستقرار الدولي وأن مصر لن تسمح بذلك، ولوح الرئيس بالتدخل العسكري المباشر لمساعدة الأشقاء في ليبيا للحفاظ على وحده وسلامة الأراضي الليبية واستقرار الأمن بها.
واستطاع الرئيس بذلك أن يضعف هذه الجبهة بل وأن يقضي عليها تماماً إذ لو سمح لها بالدخول لمنطقة سرت والجفرة لقويت شوكتها وتمكنت من السيطرة على ما نسبته 80% من احتياطي النفط والغاز الليبي فضلاً عن القاعدة العسكرية الجوية ب”الجفرة ” والتي تعد أكبر القواعد الجوية الليبية مما كان يستحيل معه مواجهتهم بسهولة وما يترتب على هذه المواجهة من دمار وفوضي.
ثم عاد الرئيس ليطمئن الشعب المصري على حفظ حقه في مياه نهر النيل الذى يعد الشريان الرئيسي للحياة ليعلن على مرأي ومسمع من العالم أثناء زيارته لقناة السويس وتكريمه للأبطال الذين شاركوا في تعويم السفينة البنمية العالقة بالقناة ( إيفرغيفن) ليعلن أن أمن مصر المائي هو “خط أحمر” وأن أي مساس به سيؤثر على المنطقة بأكملها وأنه لا أحد يستطيع أن يأخذ نقطة واحدة من مياه مصر ، وأن أي أحد ليس بمنأى عن يد مصر .
وهذا التصريح من وجهة نطرنا له دلالة من السياسية والمعنوية فسياسياً أري أنه يوجه رسالة شديدة اللهجة إلى الخصم المعني بأن يبدي المرونة المطلوبة في المفاوضات المستمرة كفرصة أخيرة لتفادى أي مواجهة يمكن أن يكون من شأنها ترك آثار سلبية على المنطقة والعالم لعقود قادمه، والنظر في الأمر على أنه حق اصيل لمصر في مياه النيل شأنها شأن دول الحوض.
وتعنى الدلال المعنوية طمأنه المصريين على حياتهم وأن القيادة لن تدخر جهداً في هذا الشأن مهما كانت النتائج … تحيا مصر بشعبها .. وجيشها .. وقائدها ..الذى نفخر به كما يفخر به العالم