كان العالم لا يزال يلتقط أنفاسه من الحرب العالمية الثانية، فقد مرت على انتهائها 5 سنوات فقط، لكن سطورا معدودات في صدر الصفحة الأولى لواحدة من أقدم الصحف توقعت على لسان الفيلسوف الإنجليزي وعضو مجلس اللوردات البريطاني بيرتراند راسل، اندلاعي حرب عالمية ثالثة تبدأها روسيا.
-فتحت عنوان من 6 كلمات وخبر مقتضب من 24 كلمة، اقتطعت صحيفة “أخبار اليوم” المصرية في عددها الصادر بتاريخ الأول من يوليو عام 1950 توقعا للمستقبل أطلقه راسل في حديثه لجريدة “سيدني صن”، باندلاع حرب عالمية ستعلنها روسيا، محذرا من استمرار تلك الحرب 10 سنوات.
-حتى وإن بدت الظروف في فترة الخمسينيات مهيئة لاندلاع حرب عالمية ثالثة، فإن التوقعات الغربية دائما ما كانت تتكهن باندلاعها من جانب روسيا من استمرارها لسنوات.- والآن رغم محاولات تفادي حدوث صدام أكبر، فإن تقارير إعلامية لا تزال تحذر من تصاعد مؤشرات اندلاع حرب عالمية ثالثة، بالنظر إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا والتوتر المتصاعد بين موسكو والغرب.
– ويعد راسل أحد مؤسسي علم الفلسفة التحليلية، واحتفظ بموقع مميز كناشط بارز في مناهضة الحرب، وقادته دعوته الدائمة للسلام خلال الحرب العالمية الأولى إلى السجن، بل وخسر جراء ذلك منصبه كأستاذ في جامعة كامبردج، وشن حملات ضد أدولف هتلر وانتقد الشمولية الستالينية وهاجم تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام.
– ولم يكتف الفيلسوف الإنجليزي بهذا فحسب، بل عمل على تشكيل المحكمة دولية (راسل سارتر) مع الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، لمحاكمة الولايات المتحدة على جرائمها في فيتنام، كما كان من أنصار نزع الأسلحة النووية، فوقع مع ألبرت أينشتاين بيانا ضدها عرضه للسجن في عام 1961.
– وخلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ناضل راسل في قضايا سياسية متنوعة وتحديدا نزع الأسلحة النووية ومعارضة الحرب في فيتنام، فضلا عن بيانه المشترك مع أينشتاين منتصف الخمسينيات، وتوقيعه على وثيقة تدعو إلى نزع الأسلحة النووية، وسارع إلى توجيه خطابات إلى زعماء العالم خلال هذه الفترة.
– وأصبح راسل أول من تلقى جائزة القدس عام 1963، وهي جائزة تمنح للكتاب المعنيين بحرية الفرد، وقد مزق بطاقة عضويته في حزب العمال في أكتوبر 1965 خشية قيام الحزب بإرسال الجيش إلى فيتنام دعما للولايات المتحدة، وحاز على جائزة نوبل للأدب تقديرا لكتاباته المتنوعة والمهمة التي يدافع فيها عن القين الإنسانية وحرية الفكر.
– واليوم وقبل أسبوعين اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من إتمام شهرها الثالث، تتزايد التحذيرات من اندلاع حرب عالمية ثالثة، تستخدم فيها أكثر ما توصلت إليه البشرية من أسلحة فتاكة ومدمرة تحمل أسماء مرعبة، بين “الشيطان” و “القنابل النووية التكتيكية”.
وتتزايد التحذيرات في الدول الأوروبية يوما بعد الآخر من مخاطر الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا عبر البوابة الأوكرانية، خاصة مع التقارير الصحفية والتسريبات الاستخباراتية المتتالية عن تسليح كييف بكميات ضخمة من الأسلحة المتطورة بما قد يعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتن دافعا لتمديد الحرب إلى أراضي حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وعلى مدار الأسابيع الماضية، حذر الرئيس الأميركي جو بايدن من المواجهة المباشرة بين الناتو وروسيا، بما قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة.
غير أن قناعة كييف تتزايد بأن حربا عالمية ثالثة اندلعت بالفعل، وهي عقيدة عبر عنها السفير الأوكراني لدى ألمانيا أندري ميلنيك بقوله: “الحرب العالمية الثالثة نشبت بالفعل. هجوم بوتن على أوكرانيا يصيب الجميع حتى وإن لم يكن عسكريا بالنسبة لهم. بوتن يقود هذه الحرب التدميرية ضد الغرب بأكمله، ضد نظام القيم الخاص بنا”.