يمر العالم بالعديد من المتغيرات المتسارعة والتحديات الجسيمة التي ألقت بظلالها على أداء المؤسسات والحكومات على حد سواء وعلى قدرتها على التنافس من أجل النمو والتطور والبقاء، وهو ما يستدعى تبنى استراتيجيات متميزة ونظم إدارية ومالية ذات كفاءة وفاعلية تمكن من تعزيز القدرة التنافسية في ظل الظروف الدولية الحالية التي تتسم بالغموض والتعقيد.
فالشركات والمؤسسات الإنتاجية في مختلف دول العالم تواجه العديد من التحديات الاستراتيجية والمصيرية ، فالمتتبع للوضع الاقتصادي في عالم اليوم يجده يفتقد قواعده الأخلاقية فليس هناك أصدقاء في عالم التجارة بل هناك علاقات مبنية على قواعد براغماتية قابلة للتغيير في أي لحظة ، وبالتالي وإزاء خطورة المرحلة فان العلاقات الاقتصادية بين الدول في الوضع الراهن تشبه الى حد يتطابق مع الحرب العسكرية الباردة وبمفهوم اقتصادي هي حرب اقتصادية باردة ، ولذلك فالذكاء الاقتصادي يعنى البحث عن المعلومات التي تسمح للشركات والمؤسسات بل وحتى الدول بالبقاء وسط منافسة شرسة في هذا العالم تزداد يوما بعد الآخر .
فالدول التي تملك مقدراتها ولديها من مصادر الطاقة والغذاء ما يزيد عن حاجتها تتحكم في مصير الكثير من الدول الأخرى، وهو ما تحقق على أرض الواقع في الحرب الروسية الأوكرانية حيث تنتج الدولتين ما يعادل 60% من انتاج القمح العالمي فضلا عن مصادر الطاقة الأخرى كالغاز والبترول.
والحرب الاقتصادية هي في الأساس حرب المعرفة فالعالم اليوم ينقسم الى قسمين الأول هو من يملك المعلومات، والثاني هو من لا يتمكن من الوصول الى تلك المعلومات، أي أن ما سوف يتم التنافس عليه من الان وفي المستقبل هو المعرفة، فالاستثمارات والتطور التكنولوجي وخلق المزيد من فرص العمل ستكون مرتبطة وجودا وعدما بتوافر المعلومات التي تمكن المنتج من الاستمرار في الإنتاج والمنافسة، ويؤدى ذلك حال توافره الى الاستمرار ومقاومة آثار الحرب الاقتصادية.
وهناك ثلاث أنواع من المعلومات تستخدم في الذكاء الاقتصادي وهي المعلومات البيضاء والرمادية والسوداء، فالأولى تمثل معلومات متاحة لكافة أنواع الشركات والمؤسسات ومن اليسير الحصول عليها، والثانية معلومات خاصة يكون من الصعب الحصول عليها، وأما الثالثة فهي المعلومات السرية التي يتوقف عليها كيان الشركة، أي أن الذكاء الاقتصادي لا يستهدف الا البحث عن المعلومات التي تضمن التفوق والسيطرة في حرب هي أشرس من الحرب العسكرية ألا وهي الحرب الاقتصادية أو حرب الغذاء.
ويتكون الذكاء الاقتصادي من ثلاث عناصر مترابطة هي سياسة اليقظة ، وسياسة الأمن أو الحماية ، وسياسة الضغط أو التأثير، والمتتبع لهذا الأمر يجد أن القيادة المصرية ومنذ وقت مبكر انتهجت هذه الرؤى وانتهجت استراتيجية لما هو قادم فكانت لديها القدرة على الاستباق ورد الفعل وهو ما خفف من آثار أزمة الغذاء على سبيل المثال ، وهذه أزمة لو قدر الله وكانت قد حلت بمصر لكانت آثارها كارثية خاصة أن مصر كانت من أكبر دول العالم استيرادا للقمح ، وبالتالي فالتخطيط الاستراتيجي الذي اتبعته القيادة في التوسع في زراعة القمح والاستعداد المسبق منذ عام 2014 لتخزينه عبر بناء العديد من صوامع التخزين باستخدام أحدث التكنولوجيا لحفظ المخزون لأطول فترة ممكنه أي تنبؤ قبل حدوث الأزمة بسنوات ، فضلا عن تطوير منظومة الري لمواجهة النقص في الموارد المائية عبر اطلاق المشروع القومي لتبطين الترع والمصارف واستخدام أنظمة الري الحديثة مما أدى الى تحقيق وفرة في الإنتاج خففت من الحاجة الى الاستيراد وأدت بدورها الى تحقيق استقرار بالأسواق بالتوازي مع هذه الأزمة ناهيك عن تطوير مصادر الطاقة مثل الغاز وتصدير ما يزيد عن حاجة الاستهلاك ، وتطوير المرافق وتحديث الجيش وهو ما جعل مصر دولة عظمى في وقت يشهد انهيار دول كبرى ما كان يتوقع لها ذلك .. وكل ذلك ما كان ليتم لولا يقظة القيادة، وحرص أجهزتها السيادية على توافر المعلومة التي مكنتها من التنبؤ بوقوع مثل هذه الحروب.. حفظ الله مصر من كل مكروه وسوء.
المزيد من الأخبار
اضغط للتعليق